اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي بصور مستوحاة من أسلوب استوديو جيبلي الياباني الشهير، حيث أدى إطلاق OpenAI لمولد الصور GPT-4o إلى ظهور سيل من الصور التي تحاكي الأسلوب المميز للاستوديو. وبينما ينبهر العالم بهذه التقنية الجديدة، يبدو أن هذا هو الوقت المثالي للعودة إلى الأصل والاستمتاع بإحدى روائع هذا الاستوديو العظيم: فيلم “الأميرة مونونوكي”.
قصة خالدة في عالم الأنيميشن
“الأميرة مونونوكي” هو فيلم أنيميشن ياباني أخرجه هاياو ميازاكي عام 1997، ويعتبر من أعقد وأعمق أعمال استوديو جيبلي. تدور أحداث الفيلم في فترة موروماتشي اليابانية خلال القرن الرابع عشر، حيث يتبع قصة الأمير أشيتاكا الذي أصيب بلعنة من إله خنزير محتضر تم تلويثه برصاصة حديدية، رمز لتوغل الحضارة في عالم الطبيعة.
يسافر أشيتاكا عبر البلاد بحثاً عن علاج للعنة، وخلال رحلته يكتشف عالماً مختلاً يشهد صراعاً بين مجتمع الحديد بقيادة السيدة إيبوشي وبين غابة الآلهة التي تحميها الذئبة مورو وابنتها البشرية سان (الأميرة مونونوكي). يجد أشيتاكا نفسه في وسط هذا الصراع، محاولاً إيجاد توازن بين عالمين متناقضين بـ”عيون غير مغشاة”.
تحفة فنية تجمع بين التقليدي والرقمي
عند إنتاجه، كان “الأميرة مونونوكي” أغلى فيلم أنيميشن ياباني بميزانية بلغت 2.35 مليار ين. ما يميز هذا الفيلم أنه جمع بين التقنيات التقليدية للرسم اليدوي وتقنيات الرسوم المتحركة الرقمية، وهي خطوة مفاجئة من ميازاكي الذي كان معروفاً بعدم تحمسه للتقنيات الرقمية.
استخدم الفيلم الرسوم المتولدة بالحاسوب لمدة خمس دقائق تقريباً، وتقنية الحبر والطلاء الرقمي لعشر دقائق أخرى. تبنى استوديو جيبلي هذه التقنيات ليس بدافع الابتكار فحسب، بل كان ذلك ضرورياً مع تقادم أساليب الرسم اليدوي في أواخر التسعينيات.
معالجة معقدة للصراع بين الطبيعة والحضارة
ما يميز “الأميرة مونونوكي” عن غيره من الأفلام التي تتناول صراع الإنسان مع الطبيعة هو تعقيد الطرح. فبدلاً من تصوير أبطال وأشرار واضحين، يقدم الفيلم شخصيات متعددة الأبعاد. فالطبيعة ليست فقط جميلة بل مرعبة أيضاً، والبشر ليسوا جميعهم أشراراً.
السيدة إيبوشي، التي تقود مجتمع صناعة الحديد الملوث للبيئة، تظهر لحظات من التعاطف العميق. كما يتضح أن مدينة الحديد توفر ملاذاً للمنبوذين من المجتمع، الذين لا يستطيعون العيش في قسوة الطبيعة. هذا التعقيد في الطرح يجعل الفيلم تجربة فكرية غنية تتجاوز الثنائيات البسيطة.
نجاح تجاوز الحدود اليابانية
حقق “الأميرة مونونوكي” نجاحاً هائلاً في اليابان، حيث تجاوزت إيراداته 19 مليار ين (160 مليون دولار)، متفوقاً على الرقم القياسي السابق لفيلم “إي تي” لستيفن سبيلبرج. هذا النجاح أطلق شهرة ميازاكي إلى آفاق جديدة.
كان الفيلم أيضاً أول أعمال استوديو جيبلي التي يتم توزيعها عالمياً بعد اتفاقية مع شركة والت ديزني، مما مهد الطريق لانتشار أعمال الاستوديو حول العالم. ترجم نيل جيمان النص الإنجليزي للفيلم، مع إجراء تعديلات كبيرة لملاءمة الجمهور الأمريكي.
الجدل حول حقوق الملكية والإبداع
رغم الإثارة التي أحدثتها هذه التقنية، فقد أثارت أيضاً نقاشات حرجة حول حقوق الملكية والإبداع. هاياو ميازاكي نفسه، المعروف بمنهجه اليدوي في الرسم والسرد القصصي الخيالي، أبدى شكوكاً حول دور الذكاء الاصطناعي في الرسوم المتحركة، ووصف الفن المولد بالذكاء الاصطناعي بأنه “إهانة للحياة نفسها”.
ثمة تناقض غريب في سياسة OpenAI، حيث يرفض الإصدار المجاني من ChatGPT (الذي يستخدم أداة DALL-E 3 الأقدم) إنشاء صور بأسلوب جيبلي بحجة أنه “استوديو رسوم متحركة محمي بحقوق النشر، وأسلوبه الفني محمي”، بينما يسمح الإصدار المدفوع باستخدام تقنية 4o بإنشاء مثل هذه الصور دون قيود.
لماذا يجب عليك مشاهدة الفيلم ؟
“الأميرة مونونوكي” ليس مجرد فيلم جميل بصرياً، بل هو عمل عميق فلسفياً يتناول قضايا البيئة والتنوع المجتمعي والتعايش بين المختلفين.
جمال الفيلم يكمن في تصويره للشخصيات المعقدة والعوالم المدهشة، من خلال رسوم متحركة مرسومة بعناية فائقة وملونة بعمق ووضوح يمكن أن يجعلك ترى العالم بعيون جديدة. مشهد الشيشيغامي، روح الغابة الذي يتحول ليلاً إلى كائن عملاق شفاف، يوصف بأنه “كنيسة سيستين الرسوم المتحركة” لروعته وسموه.