الذكاء الاصطناعي يكتشف استخدامات جديدة للأدوية القديمة


في عالم تطوير الأدوية، ظهر اتجاه ثوري يجمع بين العلم التقليدي والتكنولوجيا المتقدمة. أصبح العلماء يستخدمون تقنيات التعلم الآلي للبحث عن علاجات جديدة ضمن آلاف الأدوية الموجودة سابقاً، في عملية تُعرف باسم “إعادة توظيف الأدوية”. هذا النهج المبتكر يختصر سنوات من البحث والتطوير ويوفر مليارات الدولارات.

كيف يعمل التعلم الآلي في إعادة توظيف الأدوية؟

يستفيد الباحثون من قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة فائقة. تم تطوير نماذج مختلفة من التعلم الآلي مصممة خصيصاً لهذا الغرض. يمكن لهذه النماذج تحليل آلاف السجلات الطبية الإلكترونية ومطالبات التأمين والأبحاث العلمية المنشورة لاكتشاف علاقات غير متوقعة بين الأدوية والأمراض. حيث أن قدرة الآلة على معالجة كميات هائلة من المعلومات تفوق ما يمكن للعقل البشري استيعابه.

تشمل تقنيات التعلم الآلي المستخدمة:

  • الشبكات العصبية العميقة: تحلل تفاعلات الأدوية مع الأهداف البيولوجية
  • معالجة اللغة الطبيعية: تستخرج المعلومات من ملايين الأوراق البحثية
  • خوارزميات التعلم الخاضع للإشراف وغير الخاضع للإشراف: للتنبؤ بتفاعلات الأدوية المحتملة
  • الشبكات العصبية الرسومية: تحلل الشبكات البيولوجية المعقدة

فوائد إعادة توظيف الأدوية باستخدام الذكاء الاصطناعي

تقدم إعادة توظيف الأدوية المدعومة بالذكاء الاصطناعي مزايا كبيرة مقارنة بتطوير أدوية جديدة من الصفر. فالأدوية الموجودة مسبقاً خضعت بالفعل للاختبارات السريرية واكتسبت موافقة الجهات التنظيمية، مما يعني أن ملفات سلامتها معروفة جيداً. ويؤدي ذلك إلى تقليل مخاطر الفشل وتسريع عملية التطوير وخفض التكاليف بشكل كبير.

“هناك الكثير من البيانات المتاحة، ويمكننا استخدامها لدفع اكتشاف أدوية جديدة. لدينا معلومات أكثر من أي وقت مضى حول البيولوجيا والطب. المشكلة هي أننا لا نستطيع قراءتها جميعاً. لكن الذكاء الاصطناعي يستطيع ذلك.”

تُعتبر إعادة توظيف الأدوية باستخدام الذكاء الاصطناعي واعدة بشكل خاص للأمراض النادرة أو المهملة. يوجد أكثر من 7000 مرض نادر حول العالم، تؤثر مجتمعة على حوالي 300 مليون شخص، ولكن فقط 5-7% من هذه الأمراض لديها علاجات معتمدة.

قصص نجاح وأمثلة واقعية

ظهرت بالفعل نتائج مشجعة من استخدام التعلم الآلي في إعادة توظيف الأدوية. على سبيل المثال:

  • طور باحثون إطار عمل يحاكي التجارب السريرية العشوائية، مما أدى إلى تحديد ستة مرشحين دوائيين محتملين لمرض الشريان التاجي، بما في ذلك الميتفورمين (المستخدم لعلاج السكري) والإسيتالوبرام (المستخدم لعلاج الاكتئاب).
  • استخدم باحثون في جامعة سكوفدي نماذج الذكاء الاصطناعي لتحديد الجينات المرتبطة بالأمراض ومقارنتها بالجينات المستهدفة بالأدوية المدرجة في قاعدة بيانات DrugBank، مما يفتح فرصاً جديدة لإعادة توظيف الأدوية المعتمدة.
  • طُبقت تقنيات التعلم الآلي في مجالات صعبة مثل اكتشاف المضادات الحيوية ومرض الزهايمر وكوفيد-19.

مستقبل إعادة توظيف الأدوية بمساعدة الذكاء الاصطناعي

تتيح تقنيات التعلم الآلي المتقدمة إمكانية إحداث ثورة في الطب الدقيق وتحسين نوعية حياة المرضى. بدلاً من تجربة أدوية متعددة للعثور على العلاج المناسب، يمكن للأطباء قريباً تقديم علاجات مخصصة تستند إلى الملف الجيني الفريد للمريض.

مع استمرار تطور نماذج الذكاء الاصطناعي، ستزداد دقة التنبؤات وفعاليتها، مما يفتح آفاقاً جديدة في الطب. العقبة الرئيسية تكمن في ضرورة توليد بيانات منهجية دقيقة للتحقق من صحة تقنيات التعلم الآلي وتحسين اتخاذ القرارات وتقليل مخاطر الفشل في اكتشاف الأدوية.

بينما لا تزال هذه التكنولوجيا في مراحلها الأولى، فإن مستقبل إعادة توظيف الأدوية باستخدام الذكاء الاصطناعي يبشر بإمكانيات هائلة لتحسين الرعاية الصحية وتوفير علاجات فعالة للأمراض التي كانت تفتقر إلى خيارات علاجية في السابق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *