الثورة ضد الذكاء الاصطناعي في روايات كثيب Dune


تعد سلسلة روايات “كثيب” (Dune) للكاتب الأمريكي فرانك هربرت من أبرز أعمال الخيال العلمي في القرن العشرين، حيث تجمع بين عناصر السياسة والدين والبيئة والتكنولوجيا في قالب سردي ملحمي عميق. وتدور أحداث الرواية الأساسية في كوكب صحراوي يدعى “أراكيس”، وهو كوكب قاحل وقاسٍ لكنه غني بمادة ثمينة تسمى “المِزَاج” أو “التوابل”، وهي مادة تعزز القدرات العقلية وتطيل العمر، وتعد ضرورية للملاحة الفضائية.

الثورة ضد الذكاء الاصنطاعي والتكنولوجيا المتطورة

تتميز روايات “كثيب” بنظرة نقدية تجاه التكنولوجيا، حيث يصور هربرت مستقبلاً بعيدًا تم فيه حظر الذكاء الاصطناعي وأجهزة الحواسيب بشكل كامل إثر ثورة ضد الآلات الذكية، المعروفة بـ “الجهاد البتلري”. ونتيجة لذلك، طوّر البشر قدراتهم العقلية بشكل كبير، فظهر “المنتات” الذين يمتلكون قدرات عقلية تضاهي الحواسيب الحديثة، ويقومون بالعمليات الحسابية والتحليلية المعقدة. هذه الفكرة تعكس خوفًا دفينًا من الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، خاصة الذكاء الاصطناعي، وما قد يترتب عليه من مخاطر على الإنسانية.

كما تظهر في الروايات تقنيات متقدمة أخرى مثل استخدام الديدان العملاقة كوسائل نقل طبيعية عبر الصحراء القاسية، وأجهزة اتصال متطورة تعتمد على التشفير العصبي (الدسترانس)، وتقنيات حفظ الماء وإعادة تدويره في بيئة صحراوية قاسية.

تؤثر التكنولوجيا في عالم رواية “كثيب” (Dune) بشكل عميق ومركب، حيث يتناول الكاتب فرانك هربرت العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا من منظور نقدي وفلسفي. في المستقبل البعيد الذي تصوره الرواية، قررت البشرية التخلي عن الذكاء الاصطناعي والحواسيب المتقدمة نتيجة لما يسمى “الجهاد البتلري”، وهو ثورة ضد الآلات الذكية التي استعبدت البشر وألغت عقولهم، مما دفعهم لاستبدال تلك الآلات بقدراتهم العقلية الذاتية.

نتيجة لهذا القرار، طور البشر قدرات عقلية فائقة، وظهر ما يُعرف بـ”المنتات”، وهم أشخاص مدربون على أداء العمليات الحسابية والتحليلية المعقدة التي كانت تؤديها الحواسيب سابقًا. ويعكس هذا التوجه تحذير هربرت من الاعتماد المفرط على الآلات والذكاء الاصطناعي، حيث يحذر من أن التكنولوجيا التي تحاكي العقل البشري قد تؤدي إلى استعباد الإنسان بدلًا من تحريره.

من جهة أخرى، تظهر في الرواية تقنيات متقدمة تخدم أغراضًا عملية في الحياة اليومية، مثل:

  • بدلات التقطير (stillsuits): وهي ملابس خاصة طورها سكان كوكب أراكيس (الفريمِن)، تقوم بإعادة تدوير رطوبة الجسم وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب، مما يجعلها تقنية حيوية للبقاء في البيئة الصحراوية القاسية.
  • الطائرات (ornithopters): وهي مركبات طائرة تشبه الحشرات في طريقة عمل أجنحتها، وتستخدم للتنقل والاستكشاف في البيئة الصحراوية.
  • الدروع الشخصية: تقنية دفاعية متقدمة توفر حماية من الهجمات الجسدية والأسلحة التقليدية.
  • تقنيات عسكرية مثل “الصياد الباحث” (hunter-seeker): وهي طائرات مسيرة صغيرة مبرمجة للاغتيالات والهجمات الدقيقة.

في المقابل، يبرز هربرت مخاطر الاعتماد الزائد على التكنولوجيا وتأثيرها السلبي المحتمل على العقل البشري. ففي الرواية، يقول البطل بول أتريديس بوضوح: “لا تصنعوا آلات تحاكي العقل البشري. ويشير هذا التحذير إلى مخاطر الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي والتقنيات التي يمكن أن تؤدي إلى فقدان البشر لقدراتهم العقلية والإبداعية واستعبادهم من قبل من يتحكمون بهذه الآلات.

هكذا تقدم روايات “كثيب” رؤية مستقبلية فريدة تعكس توازنًا دقيقًا بين استخدام التكنولوجيا لأغراض عملية وضرورية للبقاء وبين الحذر من الإفراط في الاعتماد عليها. ويؤكد الكاتب أن الحل يكمن في تطوير القدرات البشرية الذاتية بدلًا من الاعتماد الكامل على الآلة، مما يجعل الرواية تأملًا فلسفيًا عميقًا حول طبيعة العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا.

تأثير التراث الإسلامي والعربي في روايات كثيب

تظهر بوضوح التأثيرات العربية والإسلامية في سلسلة “كثيب”، حيث استلهم فرانك هربرت العديد من الأفكار والمفاهيم من التراث الإسلامي والتاريخ العربي. أبرز هذه التأثيرات يتمثل في مفهوم “المهدي المنتظر”، الذي يظهر جليًا في شخصية بول أتريديز، البطل الذي يعتقد سكان كوكب أراكيس (الفريمِن) أنه المهدي المنتظر الذي سيأتي لتحريرهم وتحويل الكوكب إلى مكان أفضل. هذه الفكرة مستوحاة بشكل مباشر من مفهوم المهدوية في الإسلام.

كما يظهر استخدام واضح لمصطلحات عربية وإسلامية مثل “الجهاد”، و”المهدي”، وعبارات مستمدة من القرآن الكريم. ويبدو أن هربرت تأثر بشكل خاص بتاريخ النضال العربي ضد الاستعمار الغربي، وخاصة حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، حيث استوحى منها صراع السكان الأصليين (“الفريمِن”) ضد قوى استعمارية تسعى للسيطرة على مواردهم الطبيعية الثمينة (التوابل أو الـ”سبايس”).

ثقافة شعب الفريمن الأصليين في الرواية تحمل أيضًا ملامح واضحة من الثقافة العربية الصحراوية؛ فهم يعيشون في بيئة صحراوية قاسية مشابهة للصحراء العربية، ويقدرون الماء بشكل كبير ويعتبرونه موردًا مقدسًا يجب الحفاظ عليه. كما أن ملابسهم وعاداتهم الاجتماعية والدينية تحمل الكثير من التشابه مع تقاليد القبائل العربية البدوية.